همس اللقاء

                           همس اللقاء

  

         من أغلى اللحظات في عمر الانسان هي لحظة اللقاء بعد فقدان الأمل ، بعد طول غياب بين أحبة ذاقوا من صنوف الشوق وآلام الفرقة ، ما جعل الواحد لا يستطيع حتى التفكير في لقاء بعد مرور السنين .

           تغيرت الأحوال، ومضى كل واحد إلى حال سبيله ، ينشد حياته في جو لم يبق فيه إلا ذكريات من ماض تخفق له القلوب كلما تذكرت سويعاته الحلوة  ، قضتها في ربوع ازدانت بإحساسات الشعور بالقرب والأنس . لم يعد فيها الانسان هو الانسان . اختلفت السبل والأهداف ، ذهب كل واحد يلتمس طريقا بعد أن حكمت على كل واحد تصاريف الحياة بالعيش بعيدا عن الآخر .

       ظلم كثيرا عن قصد أو غير قصد ، نعت بأرذل الأوصاف علانية وسرا ، اتهم بالفجور والرذيلة ، لا لشيء إلا لأن له قلبا يحب الخير للجميع . فما أشد وطأة ظلم الأحبة ؟ تلام على إحساسات صادقة ، تعاتب على صراحة لا تريد عنها بديلا . تشتري الود  بأغلى الأثمنة ، وتباع في أسواق النخاسة بمليمات . تبذل الغالي والنفيس لخدمة القديس ، فتصلب كما صلب المسيح . تعمل كل ما في مقدورك لاجتناب المشاكل ، والترفع عن الرذائل ، فتجد نفسك  رغم أنفك ، غارقا حتى النخاع ، وتتخبط خبط عشواء .

       فلا تتعجب سيدي ، إن شاهدت أعمى ينتقد رساما لعدم تناسق الألوان في لوحته ، ويقدم له النصائح تلو النصائح حتى تكون لوحته أجمل وأبهى . لا تتعجب سيدي ، إن سمعت بأخرس ينكر على الخطيب فصاحته ، وعلى المطرب نعومة صوته وعلى البلبل تغريده ، بل يحاول ما امكن تصحيح عثراته . لا تتعجب سيدي ، إن سمعت وضيعا يقدم دروسا في الشرف والعفة ويعتبر نفسه القدوة . لا تتعجب سيدي ، من مخنث يتباهى بين أقرانه بعضلاته المفتولة على أنها رمز الرجولة . لا تتعجب سيدي ، من غانية تعيب على شريفة ستر مفاتنها وصون كرامتها وشرفها بدعوى الحرية . لا تتعجب سيدي ، من متزمت يحاول أقناعك بالعيش في

 الأكواخ والمزابل بدل القصور بدعوى الزهد والتواضع .لا تتعجب سيدي ، من خائن ذليل يرشدك إلى الطريقة التي تصان بها الأعراض والأوطان .. لا تتعجب سيدي ، من الدنيا لأنها دنيا ، وكل دان قصير ، وكل قصير إلى زوال ، ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام . فلم تتعجب يا إنسان؟؟؟؟