هواجس الحرمان

                                                         هواجس الحرمان

       إحساس غريب دفعه إلى أن يخط هذه العبارات . إحساس كله أمل بالمفاجأة السعيدة . إحساس يدفعه ، بل يلح عليه بدنو لقاء قريب بين أحبة طال غيابهم . فراقهم لساعة يعادل فراق  سنين ، فما بالك بفراق دام أياما بلياليها الطويلة ، وما تضمنته من عذابات وكوابيس ، قلما حملت بين طياتها أحلاما سعيدة .
       لم ينس قط خياله ، لم يخطر بباله أن تنزع صورته من مخيلته ، ولكن ما زاده حنينا هو رؤيته لظل كان لا يفارقه في ذهابه وإيابه . كم ود أن يختلق الأعذار ليوقفه ويستفسره عن حالته وصحته ، عن همومه وسعادته ، لكن الكياسة تمع ذلك ، وتقاليدنا تحرم الخوض في هذا الميدان الذي لا يعرف أحد كيف تكون عواقبه .
       هذا المشهد جعله يسبح في فضاءات أيام قضياها سويا بين مد وجزر ،بين إقبال و إدبار ، بين آهات وأحلام . استوقفته طويلا لحظة كانا جالسين جنبا لجنب ، يصارحه بمكنون قلبه ، بهمومه وعذاباته وهو يستمع بتركيز وبرودة دم ، كمن يستمع إلى صوت ضمير ، صوت قلب مليء بالجراحات . يستمع باهتمام بالغ كما يستمع الطبيب لمريضه ليشخص علته ، ويسهل عليه الكشف عن الداء .
      تصرفاته علمته أشياء كثيرة ، أولها الكيفية التي يجب أن يصغي بها المحب لمحبوبه . علمته الصورة التي يجب أن يكون عليها الانسان الرزين أمام مواقف تستدعي برودة الدم ، والحكمة في التصرف . هذا الموقف الذي حيره كثيرا مما تطلب منه إعادته عدة مرات بكل جزيئاته ، ودراسة كل كلمة قالها ، كل حركة قام بها ، كل نظرة ، كل آهة ، جعله يخرج باستنتاج لا يختلف عليه اثنان ، هو أن القلوب العظيمة ، والعقول الكبيرة لا تزيدها هذه التصرفات إلا عظمة ورفعة . إنسان لا يستحق إلا الإخلاص في المودة من إنسان رغم تجربته القصيرة ، إنسان لم يكن يخطر بباله أنه سيكون في يوم من الأيام صيدا سهلا .ولم يعرف أبدا في لحظة من لحظات حياته سعادة مثل السعادة التي تغمره وهو بجانبه ، يناجيه ، أو يصرخ في وجهه .
     إذا كان حدس المحب لا يخيب ، فإن موعد اللقاء قريب إن شاء الله قريب . الغياب قد يطول ، ولكن حيرته تزداد كلما فكر في طريقة الاستقبال . هل يستقبله بالأحضان ؟ هل يستقبله بالورود ؟ ماذا سيقول له ؟ هل يشكو له بثه ونجواه ؟ أم يخبره عن عذاباته ولوعته طول غيابه ؟ أم يستغل هذه الفرصة ولا يضيعها للتمتع بهسه و أنفاسه ؟ أم الركوع أمام حضرته ؟

      سيدي ، هو حائر مرتبك فاعذره . إن لم يكن في المستوى المطلوب أمام جنابك العظيم ، فالنفوس الطيبة الطاهرة تولد الهيبة ، وتتطلب شجاعة الفرسان ، وهو سيدي لا يقوى على المغامرة في معركة يعرف مسبقا أنك فيها الفارس المقدام الذي لا ينهزم ولا يرضى إلا بالانتصار . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأمثال الشعبية

الامثال الشعبية الباقة الثالثة

سداسيات 62